محاكمة طبيب ألماني بتهمة قتل 15 مريضاً في وحدة رعاية تلطيفية
محاكمة طبيب ألماني بتهمة قتل 15 مريضاً في وحدة رعاية تلطيفية
بدأت محكمة في العاصمة الألمانية برلين، مؤخرًا، النظر في واحدة من أكثر القضايا الطبية إثارة للجدل والرعب في البلاد، بعد توجيه اتهامات لطبيب يُدعى "يوهانس م." (40 عامًا)، بقتل 15 مريضًا كانوا تحت رعايته في وحدة للرعاية التلطيفية، وهي وحدات صحية متخصصة في تخفيف معاناة المصابين بأمراض مستعصية خلال مراحلهم الأخيرة من الحياة.
ووفق ما نقلته صحيفة لابانجورديا الإسبانية، اليوم الثلاثاء، فقد قدمت النيابة العامة لائحة اتهام رسمية ضد الطبيب، تتضمن 15 تهمة بالقتل العمد، وصفتها بأنها ارتكبت "بدوافع دنيئة"، مطالبة بإنزال أقصى العقوبات بحقه، وعلى رأسها السجن مدى الحياة، بالإضافة إلى منعه بشكل دائم من ممارسة مهنة الطب، وفرض توقيف وقائي عليه بعد انتهاء مدة العقوبة، إذا تطلب الأمر ذلك.
وبحسب القانون الألماني، يحق للمحكوم بالسجن المؤبد التقدم بطلب للإفراج بعد انقضاء 15 عامًا من الحكم، غير أن النيابة تسعى لإثبات أن الجرائم المرتكبة تدخل في نطاق "الجرائم البالغة الخطورة"، ما قد يحرمه من هذا الحق.
حرائق لإخفاء الأدلة
وتكشف القضية عن أبعاد جنائية مروعة تتجاوز القتل وحده، إذ تتهم النيابة الطبيب الألماني أيضًا بمحاولة إخفاء أدلة عبر إشعال حرائق في منازل بعض المرضى الذين قتلهم.
وبحسب التحقيقات، فإن المتهم نفّذ هذه الجرائم بدم بارد، ما يشير إلى وجود منهجية وخطة مسبقة لدى الجاني.
وكانت الشرطة قد ألقت القبض على الطبيب في أغسطس من العام الماضي، بعد سلسلة من التحقيقات المتواصلة حول وفيات غامضة لعدد من المرضى في وحدة الرعاية التي كان يعمل فيها.
ومنذ ذلك الحين، يقبع الطبيب في الحبس الاحتياطي بانتظار محاكمته التي بدأت هذا الأسبوع وسط اهتمام إعلامي وشعبي بالغ.
احتمال ارتفاع عدد الضحايا
وفي تطور آخر يعمق من حجم القضية، أعلنت النيابة العامة الألمانية أنها تحقق حاليًا في عشرات الحالات المشتبه بها الأخرى المرتبطة بنفس الطبيب، لكن في إطار ملفات منفصلة عن المحاكمة الجارية.
وألمحت مصادر قانونية إلى أن الحصيلة النهائية للضحايا قد تكون أعلى بكثير من الأرقام المعلنة حاليًا، ما قد يجعل القضية من بين أكثر الجرائم الطبية فتكًا في تاريخ ألمانيا الحديث.
وأثارت القضية صدمة عميقة داخل الأوساط الطبية والحقوقية في ألمانيا، حيث تُعد وحدات الرعاية التلطيفية ملاذًا للمرضى الذين يعانون من آلام شديدة في مراحلهم الأخيرة، وتعمل على تقديم رعاية إنسانية رحيمة تساعدهم على العبور بأقل قدر من المعاناة.
ويُعد استغلال هذه المساحات الحساسة لارتكاب جرائم قتل ممنهجة صدمة مزدوجة تمس الثقة في النظام الصحي، وتطرح تساؤلات مقلقة حول منظومة الرقابة والمتابعة الطبية في هذه المؤسسات.
إعادة النظر في الرقابة الطبية
مع انطلاق المحاكمة، طالبت مؤسسات حقوقية ومنظمات طبية ألمانية بفتح تحقيق شامل في أداء المستشفى الذي كان يعمل فيه الطبيب المتهم، ومدى فاعلية نظام الرقابة والإبلاغ عن الحوادث داخل وحدات الرعاية التلطيفية.
ودعت إلى مراجعة القوانين المنظمة لهذه المرافق، بهدف تعزيز حماية المرضى وضمان عدم تكرار مثل هذه الحوادث المروعة.
وفتحت القضية بابًا واسعًا للنقاش الأخلاقي حول حدود التدخل الطبي في حياة المرضى المصابين بأمراض مستعصية، إذ يثير البعض أسئلة حول إمكانية وجود "موت رحيم" غير معلن أو قرارات فردية اتُخذت دون موافقة أو رقابة.
غير أن النيابة تؤكد أن الوقائع المنسوبة للطبيب لا تدخل ضمن أي إطار قانوني أو أخلاقي مقبول، بل تمثل "عمليات قتل عمد بدم بارد"، قام بها طبيب خان قسمه المهني وأخلّ بواجباته الإنسانية.
وتستمر المحاكمة وسط ترقب الرأي العام الألماني والعالمي، بينما يترقب أهالي الضحايا وأوساط العدالة نتائج المحاكمة التي قد تمتد لأشهر، وقد تشكل سابقة قضائية مهمة في تاريخ المحاكمات المتعلقة بجرائم الطب والرعاية الصحية في أوروبا.